فصل: كِتَابُ الْإِقْرَارِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري ***


كِتَابُ الْحَجْر

الْحَجْرُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَجَرُ حَجَرًا لِصَلَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْغَيْرَ عَنْ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَطِيمُ حَجَرًا؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْبَيْتِ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْعِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى وَجْهٍ يَقُومُ الْغَيْرُ فِيهِ مَقَامَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ ‏(‏الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَجْرِ ثَلَاثَةٌ‏)‏ أَرَادَ بِالْمُوجِبَةِ الْمُثْبِتَةَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏الصِّغَرُ، وَالرِّقُّ، وَالْجُنُونُ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيّه‏)‏ الْمُرَادُ الصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ وَتَفْسِيرُ الْعَاقِلِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَبِيعَ سَالِبٌ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الثَّمَنُ، وَالْمُثَمَّنُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي شَاهَانْ‏:‏ وَمِنْ عَلَامَةِ كَوْنِهِ غَيْرَ عَاقِلٍ إذَا أَعْطَى الْحَلْوَانِيَّ فُلُوسًا فَأَخَذَ الْحَلْوَى وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ‏:‏ أَعْطِنِي فُلُوسِي فَهَذَا عَلَامَةُ كَوْنِهِ غَيْرَ عَاقِلٍ، وَإِنْ أَخَذَ الْحَلْوَى وَذَهَبَ وَلَمْ يَسْتَرِدَّ الْفُلُوسَ فَهُوَ عَاقِلٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ‏)‏ كَيْ لَا تُمْلَكَ رَقَبَتُهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهِ وَبِالْإِذْنِ رَضِيَ بِفَوَاتِ حَقِّهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ بِحَالٍ‏)‏ أَيْ سَوَاءٌ أُذِنَ لَهُ فِيهِ أَمْ لَا، وَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِي لَا يُفِيقُ أَصْلًا أَمَّا إذَا كَانَ يُفِيقُ وَيَعْقِلُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ فَتَصَرُّفُهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ جَائِزٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا، أَوْ اشْتَرَاهُ‏)‏ الْمُرَادُ الصَّبِيُّ وَالرَّقِيقُ أَطْلَقَ لَفْظَ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ‏{‏فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ‏}‏ وَالْمُرَادُ الْأَخَوَانِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ الَّذِي لَا يُفِيقُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَهُوَ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ‏)‏ أَيْ لَيْسَ بِهَازِلٍ وَلَا خَاطِئٍ فَإِنَّ بَيْعَ الْهَازِلِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَهُ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ‏)‏ يَحْتَرِزُ مِنْ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ بِخِلَافِ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ التَّوَقُّفُ عِنْدَكُمْ فِي الْبَيْعِ أَمَّا الشِّرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ النَّفَاذُ عَلَى الْمُبَاشِرِ‏.‏

قُلْنَا‏:‏ نَعَمْ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ كَمَا فِي شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ وَهُنَا لَمْ يُوجَدْ النَّفَاذُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ، أَوْ لِضَرَرِ الْمَوْلَى فَأَوْقَفْنَاهُ قَوْلُهُ ‏(‏وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ‏)‏ يُرِيدُ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَالْمَأْذُونِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَمَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِأَقْوَالِهِ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا يُؤَاخَذُ فِي الْأَفْعَالِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يُؤَاخَذُ بِأَقْوَالِهِ كَمَا يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ فَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ سُلِّمَ مِنْهُ لَلْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ وَالصَّبِيُّ يُنْتَظَرُ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏دُونَ الْأَفْعَالِ‏)‏ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ لَا مَرَدَّ لَهَا لِوُجُودِهَا حِسًّا وَمُشَاهَدَةً بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا بِالشَّرْعِ، وَالْقَصْدِ مِنْ شَرْطِهِ إلَّا إذَا كَانَ فِعْلًا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ،

وَالْقِصَاصِ فَيُجْعَلُ عَدَمُ الْقَصْدِ فِي ذَلِكَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ وَإِنَّمَا لَمْ تُوجِبْ هَذِهِ الْمَعَانِي الْحَجْرَ فِي الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ تَصِحُّ مِنْهُمْ كَمَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلِهَذَا قَالُوا‏:‏ إنَّ اسْتِيلَادَ الْمَجْنُونِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَصِحُّ مِنْهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيلَادِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ نَاقِصٌ وَلَوْ مَلَكَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُمَا عَتَقَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَصِحُّ مِنْهُمَا وَلَوْ أَعْتَقَاهُ بِالْقَوْلِ لَمْ يَصِحَّ لِمَا ذَكَرْنَا وَصُورَةُ اسْتِيلَادِ الْمَجْنُونِ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ جَارِيَةٌ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ بِنِكَاحٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمَا وَلَا إقْرَارُهُمَا‏)‏ لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُمَا أَمَّا النَّفْعُ الْمَحْضُ فَيَصِحُّ مِنْهُمَا مُبَاشَرَتُهُ مِثْلُ قَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَكَذَا إذَا آجَرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ اسْتِحْسَانًا وَيَصِحُّ قَبُولُ بَدَلِ الْخُلْعِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَتَصِحُّ عِبَارَةُ الصَّبِيِّ فِي مَالٍ غَيْرِهِ وَطَلَاقِ غَيْرِهِ وَعَتَاقِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ وَكِيلًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُمَا وَلَا عَتَاقُهُمَا‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ‏}‏، وَالْعَتَاقُ يَتَمَحَّضُ مَضَرَّةً؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ إسْقَاطُ حَقٍّ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ كَالْهِبَةِ، وَالْبَرَاءَةِ وَلَا وُقُوفَ لِلصَّبِيِّ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الطَّلَاقِ بِحَالٍ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَلَا وُقُوفَ لِلْوَلِيِّ عَلَى عَدَمِ التَّوَافُقِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ التَّوَافُقِ عَلَى اعْتِبَارِ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَنْفُذَانِ بِمُبَاشَرَتِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُقُودِ وَيَعْنِي بِالطَّلَاقِ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ أَمَّا إذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ صَبِيًّا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا طَلُقَتْ امْرَأَةُ الْمُوَكِّلِ وَيَعْنِي بِالْعَتَاقِ أَيْضًا إذَا كَانَ بِالْقَوْلِ أَمَّا إذَا مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ أَتْلَفَا شَيْئًا لَزِمَهُمَا ضَمَانُهُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ تَصِحُّ مِنْهُمَا، أَوْ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَصْدِ كَمَا فِي مَالٍ يَتْلَفُ بِانْقِلَابِ النَّائِمِ عَلَيْهِ، وَالْحَائِطِ الْمَائِلِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَأَمَّا الْعَبْدُ فَأَقْوَالُهُ نَافِذَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ غَيْرُ نَافِذَةٍ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ‏)‏ أَمَّا نُفُوذُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلِقِيَامِ أَهْلِيَّتِهِ، وَأَمَّا عَدَمُ نُفُوذِهَا فِي حَقِّ مَوْلَاهُ فَرِعَايَةً لِجَانِبِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ نَفَاذَهُ لَا يُعَرَّى عَنْ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ كَسْبِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَزِمَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ‏)‏ لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْحَالِ‏)‏ لِقِيَامِ الْمَانِعِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا، أَوْ مَحْجُورًا‏:‏ فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ دُونَ أَقْوَالِهِ إلَّا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِهِ مِثْلُ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَحَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِيهَا وَحَضْرَةُ الْمَوْلَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَهَذَا إذَا أَقَرُّوا، أَمَّا إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَحَضْرَةُ الْمَوْلَى شَرْطٌ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ مَالًا فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ مَحْجُورًا كَانَ، أَوْ مَأْذُونًا، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ مِنْ الْمَحْجُورِ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ لَا يَصِحُّ وَمِنْ الْمَأْذُونِ يَصِحُّ وَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْجِنَايَةِ الَّتِي تُوجِبُ الدَّفْعَ، أَوْ الْفِدَاءَ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ مَحْجُورًا كَانَ، أَوْ مَأْذُونًا وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَإِقْرَارُهُ بِالدُّيُونِ، وَالْغُصُوبِ وَاسْتِهْلَاكِ الْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ، وَالْجِنَايَاتِ فِي الْأَمْوَالِ جَائِزَةٌ، وَإِنْ أَقَرَّ بِمَهْرِ امْرَأَةٍ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِافْتِضَاضِ امْرَأَةٍ بِالْأُصْبُعِ فَعِنْدَهُمَا هَذَا إقْرَارٌ بِالْجِنَايَةِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمَوْلَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا إقْرَارٌ بِالْمَالِ فَيَصِحُّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ، أَوْ قِصَاصٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ‏)‏ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً، أَوْ كَانَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى إمَّا دَفْعُهُ، وَإِمَّا فِدَاؤُهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ وَجَبَ الْأَرْشُ حَالًّا وَكَذَا إذَا اخْتَارَ دَفْعَ الْعَبْدِ دَفَعَهُ حَالًّا أَيْضًا وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ حُرًّا وَهُوَ مَحَلٌّ لِلْقِصَاصِ وَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ مَالًا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَيَجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْجِنَايَةِ كَانَ فِي حَالِ الرِّقِّ وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَتْلِ الْخَطَأِ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى شَيْءٌ وَكَانَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ، وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةِ الْخَطَأِ وَهُوَ مَأْذُونٌ، أَوْ مَحْجُورٌ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ فَإِنْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ مِنْ الْجِنَايَةِ أَمَّا الْمَحْجُورُ فَلِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِإِقْرَارِهِ حُكْمٌ كَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ بِالدُّيُونِ الَّتِي تَلْزَمُهُ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَأْذُونُ فِيهَا فَأَمَّا الْجِنَايَةُ فَلَمْ يَأْذَنْ فِيهَا الْمَوْلَى فَالْمَأْذُونُ فِيهَا كَالْمَحْجُورِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَنْفُذُ طَلَاقُهُ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ‏}‏ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ، وَالْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ‏}‏ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَلَا تَفْوِيتُ مَنَافِعِهِ فَيَنْفُذُ قَالَ فِي النَّوَازِلِ الْمَعْتُوهُ مَنْ كَانَ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ لَكِنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمَجْنُونُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الطَّلَاقُ بِيَدِ مَنْ مَلَكَ السَّاقَ وَلِأَنَّ الْحِلَّ حَصَلَ لِلْعَبْدِ فَكَانَ الرَّفْعُ إلَيْهِ دُونَ الْمَوْلَى‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ لَا أَحْجُرُ عَلَى السَّفِيهِ إذَا كَانَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا‏)‏ السَّفِيهُ خَفِيفُ الْعَقْلِ الْجَاهِلُ بِالْأُمُورِ الَّذِي لَا تَمْيِيزَ لَهُ الْعَامِلُ بِخِلَافِ مُوجَبِ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ وَلِأَنَّ فِي سَلْبِ وِلَايَتِهِ إهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ، وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَذَلِكَ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ التَّبْذِيرِ فَلَا يُحْتَمَلُ الْأَعْلَى لِدَفْعِ الْأَدْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ كَالْحَجْرِ عَلَى الطَّبِيبِ الْجَاهِلِ، وَالْمُفْتِي الْمَاجِنِ، وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُحْجَرُ عَلَيْهِمْ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ إذْ هُوَ دَفْعُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى، الْمُفْتِي الْمَاجِنُ هُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ حِيَلًا بَاطِلَةً كَارْتِدَادِ الْمَرْأَةِ لِتُفَارِقَ زَوْجَهَا، أَوْ الرَّجُلِ لِيُسْقِطَ الزَّكَاةَ وَلَا يُبَالِي أَنْ يُحَلِّلَ حَرَامًا، أَوْ يُحَرِّمَ حَلَالًا‏.‏

وَالطَّبِيبُ الْجَاهِلُ هُوَ أَنْ يَسْقِيَ النَّاسَ دَوَاءً مُهْلِكًا‏.‏

وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ أَنْ يُكْرِيَ إبِلًا وَلَيْسَتْ لَهُ إبِلٌ وَلَا مَالٌ يَشْتَرِيهَا بِهِ، وَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْخُرُوجِ يُخْفِي نَفْسَهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ جَائِزٌ‏)‏ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ لِقَوْلِهِ ‏(‏وَإِنْ كَانَ مُبَذِّرًا مُفْسِدًا‏)‏ فَقَوْلُهُ ‏"‏ مُفْسِدًا ‏"‏ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مُبَذِّرًا وَسَوَاءٌ كَانَ يُبَذِّرُ مَالَهُ فِي الْخَيْرِ، أَوْ الشَّرِّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏يُتْلِفُ مَالَهُ فِيمَا لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ وَلَا مَصْلَحَةَ‏)‏ بِأَنْ يُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ، أَوْ يُحْرِقَهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏إلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَإِنْ تَصَرَّفَ قَبْلَ ذَلِكَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ‏)‏ وَلَا يُقَالُ‏:‏ كَيْفَ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ يُمْنَعُ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ

قَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ جَازَ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً سُلِّمَ إلَيْهِ مَالُهُ، وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ‏)‏ لِأَنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ وَلَا تَأْدِيبَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ غَالِبًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ جَدًّا فِي هَذَا السِّنِّ‏.‏

قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ‏:‏ إنَّمَا قَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ جَدًّا فِي هَذَا السِّنِّ وَوَلَدُهُ قَاضِيًا، وَفِي حِجْرِ وَلَدِهِ وَلَدٌ مَعَ كَوْنِهِ حُرًّا بَالِغًا فَيُؤَدِّي الْحَجْرُ عَلَيْهِ إلَى أَمْرٍ قَبِيحٍ وَبَيَانُهُ أَنَّ أَدْنَى مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهَا الْغُلَامُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ وَتَحْبَلُ لَهُ فَتَلِدُ امْرَأَتُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَكْبَرُ وَلَدُهُ وَيَبْلُغُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ وَتَحْبَلُ لَهُ فَتَلِدُ امْرَأَتُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَذَلِكَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ جَدًّا وَلَمْ يَبْلُغْ أَشُدَّهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ‏)‏، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ إلَّا بِحَجْرِ الْحَاكِمِ وَلَا يَصِيرُ مُطْلَقًا بَعْدَ الْحَجْرِ حَتَّى يُطْلِقَهُ الْحَاكِمُ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ فَسَادُهُ فِي مَالِهِ يَحْجُرُهُ وَصَلَاحُهُ فِيهِ يُطْلِقُهُ يَعْنِي أَنَّهُ يَنْحَجِرُ بِنَفْسِ السَّفَهِ وَيَذْهَبُ عَنْهُ الْحَجْرُ بِنَفْسِ الْإِصْلَاحِ فِي مَالِهِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا بَاعَهُ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ إذَا صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا يَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْدُودَةٍ فَإِنَّ حُكْمَهُ فِيهَا كَحُكْمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهُ، وَإِنْ أَعْتَقَ جَازَ عِتْقُهُ وَلَكِنَّهُ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ‏.‏

وَيَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ وَطَلَاقُهُ وَيَجِبُ فِي مَالِهِ الزَّكَاةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَتَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ فِي الثُّلُثِ وَيَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا صَارَ مَحْجُورًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ وَصِيِّ الْأَبِ عَلَيْهِ وَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِالثُّلُثِ وَتَزْوِيجُهُ بِمِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ، وَأَمَّا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ، وَإِقْرَارُهُ بِالْمَالِ، وَإِجَارَتِهِ فَلَا تَجُوزُ مِنْهُ كَمَا لَا تَجُوزُ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ‏)‏ يَعْنِي إذَا كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا فِي يَدِ السَّفِيهِ، وَفِيهِ رِبْحٌ، أَوْ مِثْلُ الْقِيمَةِ فَأَمَّا إذَا ضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِ السَّفِيهِ فَلَا يُجِيزُهُ الْقَاضِي كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ وَصِيِّ أَبِيهِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا نَفَذَ عِتْقُهُ‏)‏ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ لَا يَنْفُذُ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَجْرُ وَمَا لَا فَلَا؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ فِي مَعْنَى الْهَزْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْهَازِلَ يَخْرُجُ كَلَامُهُ لَا عَلَى نَهْجِ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ لِاتِّبَاعِ هَوَاهُ، وَالْعِتْقُ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَصِحُّ مِنْهُ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ حَتَّى لَا يَنْفُذَ عِنْدَهُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ شَيْءٌ إلَّا الطَّلَاقَ كَالْمَرْقُوقِ، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَصِحُّ مِنْ الرَّقِيقِ فَكَذَا مِنْ السَّفِيهِ قَوْلُهُ ‏(‏وَكَانَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِمَعْنَى النَّظَرِ وَذَلِكَ فِي إبْطَالِ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ مُتَعَذَّرٌ فَيَجِبُ رَدُّهُ بِرَدِّ الْقِيمَةِ وَكَذَا لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَجِبُ السِّعَايَةُ مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمَوْتِهِ وَهُوَ مُدَبَّرٌ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَقِيمَة الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا، وَقِيلَ‏:‏ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ كَانَ فِيهِ نَوْعَا مَنْفَعَةٍ وَهُمَا الْبَيْعُ، وَالْإِجَارَةُ‏.‏

وَقَدْ بَطَلَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْبَيْعُ وَقِيمَة أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنًّا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالِاسْتِسْعَاءَ قَدْ انْتَفَيَا وَبَقِيَ مِلْكُ الْإِعْتَاقِ وَقِيمَة الْمُكَاتَبِ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا لَا رَقَبَةً، وَالْقِنُّ مَمْلُوكٌ يَدًا وَرَقَبَةً فَكَانَ الْمُكَاتَبُ نِصْفَهُ، وَإِنْ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَتْ

أُمَّ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِيلَادِ إيجَابَ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كَالْعِتْقِ فَإِنْ مَاتَ كَانَتْ حُرَّةً لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِعْلٌ مِنْهُ، وَالْحَجْرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ وَلِهَذَا سَقَطَتْ السِّعَايَةُ عَنْهَا لِهَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ الْقَوْلِ فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ‏:‏ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَلَزِمَتْهَا السِّعَايَةُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقُّ حُرِّيَّةٍ ثَبَتَتْ مِنْ طَرِيقِ الْقَوْلِ فَصَارَ كَالتَّدْبِيرِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهُ‏)‏ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مُجْتَمِعَاتٍ وَمُتَفَرِّقَاتٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ وَلِأَنَّهُ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ الْمَحْجُورُ يُزَوِّجُ نَفْسَهُ وَلَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ وَلَا أُخْتَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَبَطَلَ الْفَاضِلُ‏)‏ وَهَذَا قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ دُخُولَ الْبُضْعِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ، وَقَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ قَدْ حَصَلَ لَهُ بِإِزَائِهِ بَدَلٌ - وَهُوَ مِلْكُ الْبُضْعِ - فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ إلَى مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَكُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مُفْسِدَةً تَزَوَّجَتْ كُفُؤًا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ بِأَقَلَّ مِمَّا يُتَغَابَنُ فِيهِ جَازَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ مَعَ الْحَجْرِ‏.‏

وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا قِيلَ لَهُ إنْ شِئْت فَتَمِّمْ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَكُمَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا مَحْجُورًا مِثْلَهَا فَإِنْ كَانَ سَمَّى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا بَطَلَ عَنْهُ الْفَضْلُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ خُوطِبَ بِالْإِتْمَامِ، أَوْ الْفُرْقَةِ، وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا أَدْخَلَتْ الشَّيْنَ عَلَى أَوْلِيَائِهَا فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ لِأَجْلِهِمْ وَلَوْ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ جَازَ الْخُلْعُ وَلَمْ يَلْزَمْهَا الْمَالُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ لَا قِيمَةَ لَهُ فَصَارَتْ بِبَذْلِ الْمَالِ مُتَبَرِّعَةً وَتَبَرُّعُهَا لَا يَجُوزُ وَأَمَّا جَوَازُ الْخُلْعِ فَلِأَنَّ الزَّوْجَ عَلَّقَ

الطَّلَاقَ بِقَبُولِهَا وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَتْ فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا بِلَفْظِ الطَّلَاقِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ رَجْعِيٌّ فَإِنَّ الْمَالَ لَمَّا بَطَلَ بَقِيَ مُجَرَّدُ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ يَكُونُ رَجْعِيًّا إذَا كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ كَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الْمَالَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ بَقِيَ لَفْظُ الْخُلْعِ وَذَلِكَ إذَا أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ كَانَ بَائِنًا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْأَمَةَ الَّتِي يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً عَلَى مَالٍ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بَائِنًا، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ إنَّمَا يُحْجَرُ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْمَوْلَى وَلِهَذَا يَلْزَمُهَا مَا بَذَلَتْهُ لَهُ فِي خُلْعِهَا إذَا أُعْتِقَتْ فَتُؤْخَذُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَا بَذَلَتْهُ ثَابِتًا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَقَالَا فِيمَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مَالُهُ أَبَدًا حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ‏)‏ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَتُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ مَالٍ السَّفِيهِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَتُخْرَجُ بِإِذْنِهِ وَقِيلَ فِي السَّائِمَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ‏.‏

وَفِي الْهِدَايَةِ يَدْفَعُ الْقَاضِي قَدْرَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ لِيُفَرِّقَهَا إلَى مَصْرِفِهَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نِيَّتِهِ وَلَكِنْ يَبْعَثُ مَعَهُ أَمِينًا كَيْ لَا يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُنْفَقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ‏)‏ لِأَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَالسَّفَهُ لَا يُبْطِلُ حُقُوقَ النَّاسِ وَيَدْفَعُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَى أَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّتِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ، أَوْ نَذَرَ، أَوْ ظَاهَرَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ فَيُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَظِهَارَهُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ مِمَّا وَجَبَ بِفِعْلِهِ فَلَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَنَفَذَتْ أَمْوَالُهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلَا كَذَلِكَ مَا يَجِبُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَيُصَدَّقُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فِي إقْرَارِهِ بِالْوَلَدِ، وَالْوَالِدِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْقَرَابَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ابْتَدَأَ التَّزْوِيجَ يَصِحُّ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ أَرَادَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا‏)‏؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ عُمْرَةً وَاحِدَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا اسْتِحْسَانًا وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ إفْرَادِ السَّفَرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَيْهِ‏)‏ كَيْ لَا يُتْلِفَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُسَلِّمُهَا إلَى ثِقَةٍ مِنْ الْحَاجِّ يُنْفِقُهَا عَلَيْهِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ إتْلَافُ مَا يُدْفَعُ إلَيْهِ فَيَحْتَاطُ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ بِدَفْعِهَا إلَى ثِقَةٍ يَقُومُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَفْسَدَ هَذَا الْمَحْجُورُ الْحَجَّ بِأَنْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَيَدْفَعُ الْقَاضِي نَفَقَةَ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالِابْتِدَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا فِي حَالِ الْحَجْرِ فَيَتَأَخَّرُ عَنْهُ الْوُجُوبُ إلَى وَقْتِ الْإِمْكَانِ وَذَلِكَ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ كَالْعَبْدِ، وَالْمُعْسِرِ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ إذَا أَفْسَدَهَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَهَا وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهَا فَإِنْ أُحْصِرَ فِي حَجَّتِهِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلَّذِي أُعْطِيَ نَفَقَتَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ فَيُحِلَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَارَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَدْ احْتَاجَ إلَى تَخْلِيصِ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ مَرِضَ فَاحْتَاجَ إلَى الدَّوَاءِ، وَإِنْ اصْطَادَ فِي إحْرَامِهِ، أَوْ حَلَقَ مِنْ أَذًى، أَوْ صَنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَكَانَ فَرْضُهُ الصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ أَدَاءِ الْمَالِ كَالْمُعْسِرِ، وَإِنْ ظَاهَرَ صَحَّ ظِهَارُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهُ وَيَجْزِيهِ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارِهِ سَعَى الْمُعْتَقُ فِي

قِيمَتِهِ وَلَا يَجْزِيهِ الْعِتْقُ فَإِنْ صَامَ شَهْرًا، ثُمَّ صَارَ مُصْلِحًا لَمْ يَجْزِهِ إلَّا الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَعْنَى الْعَارِضُ فَصَارَ كَالْمُعْسِرِ إذَا صَامَ شَهْرًا، ثُمَّ وَجَدَ مَا يُعْتِقُ وَهَذَا التَّفْرِيعُ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِهِمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ كَغَيْرِ الْمَحْجُورِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ مَرِضَ فَأَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ جَازَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِ مَالِهِ‏)‏ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَأْمُورٌ بِهَا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا وَلِأَنَّهَا تَقَرُّبٌ إلَى اللَّهِ فَكَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ أَنَّ الْقُرْبَةَ هِيَ مَا تَصِيرُ عِبَادَةً بِوَاسِطَةٍ كَبِنَاءِ السِّقَايَةِ، وَالْمَسَاجِدِ، وَالْقَنَاطِرِ وَالرِّبَاطَاتِ، وَأَبْوَابُ الْخَيْرِ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْقُرْبَةَ وَغَيْرَهَا كَالْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ فَكَأَنَّ أَبْوَابَ الْخَيْرِ أَعَمُّ مِنْ الْقُرَبِ وَقِيلَ الْقُرْبَةُ هِيَ الْوَسِيلَةُ إلَى الْعِبَادَةِ وَأَبْوَابُ الْخَيْرِ يَتَنَاوَلُ الْعِبَادَةَ، وَالْوَسِيلَةَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ أَنَّ مِنْ الضَّمَانِ مَا لَا يَكُونُ كَفَالَةً بِأَنْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ‏:‏ خَالِعْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ، أَوْ بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنَّ الضَّمَانَ هُنَا عَلَى الضَّامِنِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمَرْأَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَبُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ، وَالْإِنْزَالِ وَالْإِحْبَالِ إذَا وَطِئَ‏)‏ فَقَوْلُهُ‏:‏ بِالِاحْتِلَامِ أَيْ مَعَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَالِاحْتِلَامُ يَكُونُ فِي النَّوْمِ فَإِذَا احْتَلَمَ وَأَنْزَلَ عَنْ شَهْوَةٍ حُكِمَ بِبُلُوغِهِ، وَالْإِنْزَالُ يَكُونُ فِي الْيَقَظَةِ وَالنَّوْمِ وَهَذَا الْبُلُوغُ الْأَعْلَى، وَأَمَّا الْأَدْنَى فَأَقَلُّ مَا يُصَدَّقُ فِيهِ الْغُلَامُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَالْأُنْثَى تِسْعٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ‏}‏ وَأَشُدُّ الصَّبِيِّ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً كَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَقَلُّ مَا قِيلَ فِي الْأَشُدِّ فَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَبُلُوغُ الْجَارِيَةِ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ، وَالْحَبَلِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً‏)‏ لِأَنَّ الْإِنَاثَ نَشْؤُهُنَّ، وَإِدْرَاكُهُنَّ أَسْرَعُ مِنْ إدْرَاكِ الذُّكُورِ فَنَقَصْنَا عَنْهُ سَنَةً قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ إذَا تَمَّ لِلْغُلَامِ، وَالْجَارِيَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَا‏)‏ وَلَا مُعْتَبَرَ بِنَبَاتِ الْعَانَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ‏:‏ أَنَّهُ اعْتَبَرَ نَبَاتَهَا الْخَشِنَ بُلُوغًا وَهُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ فِي إزَالَتِهِ إلَى حَلْقٍ، وَأَمَّا نُهُودُ الثَّدْيِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ بُلُوغًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُحْكَمُ بِهِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ، وَأَمَّا شَعْرُ الْإِبِطِ وَالشَّارِبِ فَقَدْ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ فِي شَعْرِ الْعَانَةِ وَقِيلَ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَأَمَّا الزَّغَبُ وَهُوَ الشَّعْرُ الضَّعِيفُ وَثِقَلُ الصَّوْتِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا رَاهَقَ الْغُلَامُ، وَالْجَارِيَةُ وَأَشْكَلَ أَمْرُهُمَا فِي الْبُلُوغِ فَقَالَا قَدْ بَلَغْنَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا وَأَحْكَامُهُمَا أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ‏)‏ الْمُرَاهَقَةُ مُقَارَبَةُ الِاحْتِلَامِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا فَقُبِلَ قَوْلُهُمَا كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَيْضِ‏.‏

‏(‏مَسْأَلَةٌ‏)‏‏:‏ صَبِيٌّ بَاعَ وَاشْتَرَى وَقَالَ أَنَا بَالِغٌ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَا غَيْرُ بَالِغٍ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ الْبُلُوغُ فِيهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى جُحُودِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَوَقْتُ إمْكَانِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا فِي صِبَاهُ لَزِمَهُ الْآنَ كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ لَا أَحْجُرُ فِي الدَّيْنِ‏)‏ أَيْ لَا أَحْجُرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَإِذَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ جَازَ تَصَرُّفُهُ، وَإِقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ بَالِغٌ عَاقِلٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذَا وَجَبَتْ الدُّيُونُ عَلَى رَجُلٍ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ، وَالْحَجْرَ عَلَيْهِ لَمْ أَحْجُرْ عَلَيْهِ‏)‏ وَهَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ الْحَاكِمُ‏)‏ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَدْيُونِ أَمَّا إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ قَدْ ثَبَتَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِإِقْرَارِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ مَنْقُولًا كَانَ أَوْ عَقَارًا، وَيَقْضِي بِهِ دُيُونَهُ وَيَكُونُ عُهْدَةُ مَا بَاعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ دُونَ الْقَاضِي وَأَمِينِهِ وَكَذَا إذَا بَاعَ الْقَاضِي التَّرِكَةَ لِأَجْلِ الْمُوصَى لَهُ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ دُونَ الْقَاضِي، أَوْ بَاعَ لِأَجْلِ الصَّغِيرِ تُجْعَلُ الْعُهْدَةُ عَلَى الصَّغِيرِ وَكَذَا أَمِينُ الْقَاضِي‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَهُ‏)‏ إيفَاءً لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَدَفْعًا لِظُلْمِهِ‏.‏

اعْلَمْ أَنَّ الْحَبْسَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ‏:‏ تَعَالَى ‏{‏أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ‏}‏ أَيْ يُحْبَسُوا؛ لِأَنَّ نَفْيَهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ لَا يُتَصَوَّرُ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَإِنَّ ‏{‏النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَبَسَ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَةً لَهُ فِي ذَلِكَ‏}‏ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَنَى حَبْسًا بِالْكُوفَةِ وَسَمَّاهُ نَافِعًا فَهَرَبَ النَّاسُ مِنْهُ فَبَنَى حَبْسًا أَوْثَقَ مِنْهُ وَسَمَّاهُ مُخَيَّسًا وَقَالَ‏:‏ أَمَا تَرَانِي كَيِّسًا مُكَيَّسًا بَنَيْتُ بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيَّسَا وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ يُقَالُ مُخَيَّسٌ بِكَسْرِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ مُذَلَّلٌ يُقَالُ خَيَّسَهُ أَيْ أَذَلَّهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَهُ وَيَبِيعَ الْعُرُوضَ، ثُمَّ الْعَقَارَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَرَاهِمُ قَضَاهَا الْقَاضِي بِغَيْرِ أَمْرِهِ‏)‏ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ إذَا وَجَدَ جِنْسَ حَقِّهِ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَدَفْعُ الْقَاضِي أَوْلَى‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَنَانِيرُ، أَوْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ بَاعَهَا الْقَاضِي فِي دَيْنِهِ‏)‏ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ قَدْ أُجْرِيَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ مَجْرَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبِيعَهُ كَمَا فِي الْعُرُوضِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ جَبْرًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَالْبَيْعِ، وَالْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يَضُرَّ بِالْغُرَمَاءِ‏)‏ يَعْنِي إذَا كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَمَّا بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَا يَمْنَعُهُ قَوْلُهُ ‏(‏وَبَاعَ مَالَهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ‏)‏ وَيُبَعْ فِي الدَّيْنِ الْعُرُوض أَوَّلًا، ثُمَّ الْعَقَارُ وَيُتْرَكُ عَلَيْهِ دَسْتٌ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ وَيُبَاعُ الْبَاقِي‏.‏

وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ لَهُ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْتَزِئَ بِدُونِهَا فَإِنَّهُ يَبِيعُ ثِيَابَهُ وَيَقْضِي الدَّيْنَ بِبَعْضِ ثَمَنِهَا وَيَشْتَرِي بِمَا بَقِيَ ثَوْبًا يَلْبَسُهُ؛ لِأَنَّ لُبْسَ ذَلِكَ لِلتَّجَمُّلِ، وَقَضَاءَ الدَّيْنِ فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْتَزِئَ بِدُونِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبِيعُ ذَلِكَ الْمَسْكَنَ وَيَصْرِفُ بَعْضَ ثَمَنِهِ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَيَشْتَرِي بِالْبَاقِي مَسْكَنًا يَبِيتُ فِيهِ وَقِيلَ يَبِيعُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْحَالِ حَتَّى إنَّهُ يَبِيعُ الْجُبَّةَ وَاللِّبْدَ فِي الصَّيْفِ وَالنِّطْعَ فِي الشِّتَاءِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَقَسَمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ‏)‏ أَيْ عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ أَقَرَّ فِي حَالِ الْحَجْرِ بِإِقْرَارٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ‏)‏ هَذَا قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ

تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَالِ حَقُّ الْأَوَّلِينَ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمْ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ لَا مَرَدَّ لَهُ، وَإِنْ اسْتَفَادَ مَالًا بَعْدَ الْحَجْرِ نَفَذَ إقْرَارُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُنْفَقُ عَلَى الْمُفْلِسِ مِنْ مَالِهِ‏)‏ الْمُرَادُ بِالْمُفْلِسِ هَذَا الْمَدْيُونُ الْمَحْجُورُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَعَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ‏)‏ أَيْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُمْ الْأَصْلِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ وَهُوَ يَقُولُ لَا مَالٍ لِي حَبَسَهُ الْحَاكِمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ الْتَزَمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْقَرْضِ‏)‏ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُحْبَسُ فِي الدِّرْهَمِ، وَفِي أَقَلَّ مِنْهُ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ يُحْبَسُ فِي قَلِيلِ الدَّيْنِ وَكَثِيرِهِ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ الْمَطْلُ ‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَفِي كُلِّ دَيْنٍ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ‏)‏ الْمُرَادُ بِالْمَهْرِ الْمُعَجَّلُ دُونَ الْمُؤَجَّلِ فَإِنَّ فِي الْمُؤَجَّلِ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْإِعْسَارِ؛ لِأَنَّا قَدْ عَرَفْنَا غِنَاهُ بِهِ فَدَعْوَاهُ الْإِعْسَارَ دَعْوَى زَوَالِ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ مَعْنًى حَادِثٌ فَلَا يُصَدَّقُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْإِعْسَارِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ بِدَعْوَاهُ أَنْ يُسْقِطَ مَا الْتَزَمَهُ فَلَا يُقْبَلُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالتَّزْوِيجِ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَيْءٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْإِعْسَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْفَقْرُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَمْ يَحْبِسْهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ كَعِوَضِ الْمَغْصُوبِ وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ‏)‏ إذَا قَالَ أَنَا فَقِيرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْفَقْرُ فَمَنْ ادَّعَى الْغِنَى يَدَّعِي مَعْنًى حَادِثًا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏إلَّا أَنْ يُقِيمَ غَرِيمُهُ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ مَالًا‏)‏ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَاهُ الْفَقْرَ، ثُمَّ الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ لَا يَخْرُجُ لِمَجِيءِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَا لِلْعِيدَيْنِ وَلَا لِلْجُمُعَةِ وَلَا لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَلَا لِحَجَّةِ فَرِيضَةٍ وَلَا لِحُضُورِ جِنَازَةِ بَعْضِ أَهْلِهِ وَلَوْ أَعْطَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا مَاتَ لَهُ وَالِدٌ، أَوْ وَلَدٌ لَا يَخْرُجُ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ فَيَخْرُجَ حِينَئِذٍ،

وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ فَلَا يَخْرُجُ وَقِيلَ يَخْرُجُ بِكَفِيلٍ لِجِنَازَةِ الْوَالِدَيْنِ، وَالْأَجْدَادِ، وَالْجَدَّاتِ، وَالْأَوْلَادِ، وَفِي غَيْرِهِمْ لَا يَخْرُجُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْبَسَ فِي مَوْضِعٍ خَشِنٍ لَا يُبْسَطُ لَهُ فِيهِ فِرَاشٌ وَلَا وِطَاءٌ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَسْتَأْنِسُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ إنَّمَا شُرِعَ لِيَضْجَرَ فَيُسَارِعَ بِالْقَضَاءِ وَإِذَا مَرِضَ وَأَضْنَاهُ الْمَرَضُ إنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ لَا يَخْرُجُ لِيَزْدَادَ ضَجَرًا فَيُسَارِعَ بِالْقَضَاءِ وَلَا يَخْرُجُ لِلْمُدَاوَاةِ وَيُدَاوَى فِي السِّجْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ وَخُشِيَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَوْتَ مِنْ الْجُوعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ فَكَيْفَ يَجُوزُ إهْلَاكُهُ لِأَجْلِ مَالِ الْغَيْرِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْجِمَاعِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، أَوْ جَارِيَتُهُ فَيَطَأَهَا حَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ‏.‏

وَفِي النِّهَايَةِ إذَا طَلَبَ الْمَحْبُوسُ امْرَأَتَهُ، أَوْ أَمَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فِي الْحَبْسِ لَمْ يُمْنَعْ إنْ كَانَ فِي الْحَبْسِ مَوْضِعٌ خَالٍ فَإِنْ امْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ لَمْ تُجْبَرْ، وَإِنْ امْتَنَعَتْ الْأَمَةُ أُجْبِرَتْ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تَمْتَنِعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَالزَّوْجَةُ الْأَمَةُ تُجْبَرُ إذَا رَضِيَ سَيِّدُهَا وَلَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِيُشَاوِرَهُمْ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَا يُمَكَّنُونَ بِأَنْ يَمْكُثُوا مَعَهُ طَوِيلًا، وَالْمُحْتَرِفُ لَا يُمَكَّنُ فِي الْحَبْسِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِحِرْفَتِهِ لِيَضْجَرَ فَيُسَارِعَ بِالْقَضَاءِ، وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ وَيُحْبَسُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَلَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ لِمَوْلَاهُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ ظَالِمًا بِذَلِكَ، وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَلَوْ كَانَ الْمَدْيُونُ

صَغِيرًا وَلَهُ وَلِيّ يَجُوزُ لَهُ قَضَاءُ دُيُونِهِ وَلِلصَّغِيرِ مَالٌ حَبَسَ الْقَاضِي وَلِيَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ قَضَاءِ دُيُونِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِذَا حَبَسَهُ الْقَاضِي شَهْرَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً سَأَلَ عَنْ حَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْكَشِفْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ‏)‏، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَهَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى حَالِ الْمَحْبُوسِ فَمِنْ النَّاسِ مِنْ يُضْجِرُهُ الْحَبْسُ الْقَلِيلُ وَمِنْهُمْ مِنْ لَا يُضْجِرُهُ الْكَثِيرُ فَوُقِفَ ذَلِكَ عَلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِلْحَاكِمِ أَنَّ لَهُ مَالًا بِأَنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، أَوْ سَأَلَ جِيرَانَهُ الْعَارِفِينَ بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ أَخْرَجَهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَيِّنَةِ إنَّهُ لَا مَالَ لَهُ قَبْلَ حَبْسِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَطَّلِعُ عَلَى إعْسَارِهِ وَلَا يَسَارِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ مَخْبُوءٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ سَجْنِهِ لِيَضْجَرَ بِذَلِكَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَكَذَلِكَ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَا مَالٍ لَهُ‏)‏ يَعْنِي خَلَّى سَبِيلَهُ لِوُجُوبِ النَّظِرَةِ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ وَهَذِهِ قُبِلَتْ، قُلْنَا‏:‏ هَذِهِ شَهَادَةٌ بِنَاءً عَلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا حُبِسَ فَالْحَبْسُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ أَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْحَبْسِ عَلَى إفْلَاسِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا تُقْبَلُ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تُقْبَلُ وَعَلَى الثَّانِيَةِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْحَبْسِ فَهِيَ تُقْبَلُ رِوَايَةً وَاحِدَةً قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ‏:‏ كَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ‏:‏ إنَّهُ مُفْلِسٌ مُعْدِمٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا سِوَى كِسْوَتِهِ الَّتِي عَلَيْهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ‏)‏ يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَيَكُونُ

حَبْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظُلْمًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ السِّجْنِ وَيُلَازِمُونَهُ وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالسَّفَرِ‏)‏ وَيَدُورُونَ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ وَلَا يَحْبِسُونَهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ دَخَلَ بَيْتَهُ لِحَاجَةٍ لَا يَتْبَعُونَهُ بَلْ يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَخْرُجَ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يُلَازِمُهَا لِمَا فِيهِ فِي الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَلَكِنْ يَبْعَثُ امْرَأَةً أَمِينَةً تَلَازُمُهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ وَيُلَازِمُونَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدٌ وَلِسَانٌ‏}‏ الْمُرَادُ بِالْيَدِ الْمُلَازَمَةُ وَبِاللِّسَانِ التَّقَاضِي، وَلَمْ يُرَدْ بِهِ الضَّرْبُ وَالشَّتْمُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيَأْخُذُونَ فَضْلَ كَسْبِهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ‏)‏ أَيْ يَأْخُذُونَ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَلَوْ اخْتَارَ الْمَطْلُوبُ الْحَبْسَ وَالطَّالِبُ الْمُلَازَمَةَ فَالْخِيَارُ إلَى الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ لِاخْتِيَارِهِ الْأَضْيَقَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِالْمُلَازَمَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِأَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمَّدٌ‏:‏ إذَا فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِفْلَاسِ عِنْدَهُمَا يَصِحُّ فَتَثْبُتُ الْعُسْرَةُ فَيَسْتَحِقُّ الْإِنْظَارَ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِفْلَاسُ؛ لِأَنَّ رِزْقَ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحٌ وَلِأَنَّ وُقُوفَ الشُّهُودِ عَلَى عَدَمِ الْمَالِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا ظَاهِرًا فَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِإِبْطَالِ الْحَقِّ فِي الْمُلَازَمَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏إلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ مَالٌ‏)‏ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْيَسَارِ تُرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا؛ إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْعُسْرَةُ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى إنَّمَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ إذَا

قَالُوا‏:‏ إنَّهُ كَثِيرُ الْعِيَالِ ضَيِّقُ الْحَالِ أَمَّا إذَا قَالُوا‏:‏ لَا مَالَ لَهُ لَا تُقْبَلُ‏.‏

وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ إذَا كَانَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِالْإِعْسَارِ لَمْ يَحْبِسْهُ الْقَاضِي حَتَّى يُقِيمَ خَصْمُهُ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ مَالًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى إعْسَارِهِ وَيَحْبِسُهُ شَهْرَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْ حَالِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُحْجَرُ عَلَى الْفَاسِقِ إذَا كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ‏)‏‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ يَحْجُرُ عَلَيْهِ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْفِسْقُ الْأَصْلِيُّ وَالطَّارِئُ سَوَاءٌ‏)‏ يَعْنِي إذَا بَلَغَ فَاسِقًا، أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِكَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ أَفْلَسَ وَعِنْدَهُ مَتَاعٌ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ ابْتَاعَهُ مِنْهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ‏)‏‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ صَاحِبُ الْمَتَاعِ أَوْلَى بِمَتَاعِهِ وَصُورَتُهُ اشْتَرَى سِلْعَةً وَقَبَضَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي، أَوْ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ، أَوْ بَعْدَمَا دَفَعَ طَائِفَةً مِنْهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِأُنَاسٍ شَتَّى فَالْغُرَمَاءُ جَمِيعًا فِي الثَّمَنِ أُسْوَةٌ وَلَيْسَ بَائِعُهَا أَحَقَّ بِهَا مِنْهُمْ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ عَيْنِهِ وَرَضِيَ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَصَارَ كَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُنْظَرُ‏:‏ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَقَدْ حَلَّ الْأَجَلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ حَالًّا فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ‏:‏ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ هَذَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمَتَاعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ، ثُمَّ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَوْلَى بِثَمَنِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ كَالْمُرْتَهِنِ فِي ثَمَنِ الْمَرْهُونِ، وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ مُؤَجَّلَةٌ حَلَّتْ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ وَقَدْ خَرِبَتْ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَحَلٌّ مَعْلُومٌ فَتَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ وَمُقْتَضَاهَا الْحُلُولُ‏.‏

‏(‏مَسْأَلَةٌ‏)‏ فِي قِسْمَةِ الدَّيْنِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ‏:‏ رَجُلٌ مَاتَ وَلِرَجُلٍ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ لِآخَرَ ثَلَاثُونَ وَلِآخَرَ عِشْرُونَ وَلِآخَرَ عَشَرَةٌ فَخَلَّفَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَنَقُولُ‏:‏ مَجْمُوعُ الدَّيْنِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ فَيُضْرَبُ لِصَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةٌ فِي أَرْبَعِينَ وَتَقْسِمُهُ عَلَى مِائَةٍ وَسِتِّينَ يَصِحُّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَهُوَ الَّذِي يَخُصُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ - لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ نَقُولَ

‏:‏ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ مَضْرُوبٌ فِي التَّرِكَةِ مَقْسُومٌ عَلَى مَجْمُوعِ الدُّيُونِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُهُ -، وَتَضْرِبُ لِصَاحِبِ الثَّلَاثِينَ فِي أَرْبَعِينَ وَتَقْسِمُهُ عَلَى مِائَةٍ وَسِتِّينَ يَخْرُجُ الْقَسْمُ سَبْعَةً وَنِصْفًا وَلِصَاحِبِ الْعِشْرِينَ خَمْسَةٌ وَلِصَاحِبِ الْعَشَرَةِ اثْنَانِ وَنِصْفٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ أَرْبَعُونَ، وَإِنْ شِئْت فَانْسُبْ الْمِائَةَ مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ تَجِدْهَا خَمْسَةَ أَثْمَانِهَا، فَيُعْطَى صَاحِبُ الْمِائَةِ خَمْسَةَ أَثْمَانِ الْأَرْبَعِينَ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَتَنْسُبُ الثَّلَاثِينَ أَيْضًا مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ تَجِدُهُ ثُمُنًا وَنِصْفَ ثُمُنٍ فَيُعْطَى صَاحِبُ الثَّلَاثِينَ ثُمُنَ الْأَرْبَعِينَ وَنِصْفَ ثُمُنِهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ، وَنِسْبَةُ الْعِشْرِينَ مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ ثُمُنُهُ فَيُعْطَى صَاحِبُهُ ثُمُنَ الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَنِسْبَةُ الْعَشَرَةِ نِصْفُ ثُمُنٍ فَيُعْطَى نِصْفَ ثُمُنِ الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ اثْنَانِ وَنِصْفٌ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ‏.‏

كِتَابُ الْإِقْرَارِ

الْإِقْرَارُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ قَرَّ الشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ عَنْ كَائِنٍ سَابِقٍ، وَإِظْهَارٍ لِمَا وَجَبَ بِالْمُعَامَلَةِ السَّابِقَةِ لَا إيجَابٍ وَتَمْلِيكٍ مُبْتَدَأٍ وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِمَالٍ كَاذِبًا، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَحِلُّ لَهُ دِيَانَةً إلَّا إذَا سَلَّمَهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ قَالَ فِي شَاهَانْ‏:‏ إذَا أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِ زَيْدٍ أَنَّهُ لِعَمْرٍو صَحَّ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ سَابِقٍ لَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَكَذَا مَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِقْرَارِ الرِّضَا وَالطَّوْعُ حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمُكْرَهِ وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَيْضًا الْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَشَرْطٌ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ‏:‏ جَمِيعُ مَالِي، أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ لِفُلَانٍ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالْهِبَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّسْلِيمِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَلَى نَفْسِهِ بِحَقٍّ لَزِمَهُ إقْرَارُهُ‏)‏ وَشَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْحَالِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ عَلَى مَوْلَاهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى، وَشَرَطَ الْبُلُوغَ، وَالْعَقْلَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ لَا يَصِحُّ أَقْوَالُهُمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْبَالِغِ بِحُكْمِ الْإِذْنِ وَقَوْلُهُ بِحَقٍّ أَيْ إذَا قَالَ‏:‏ لِفُلَانٍ

عَلَيَّ حَقٌّ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ قَالَ‏:‏ عَنَيْت بِهِ حَقَّ الْإِسْلَامِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ مَجْهُولًا كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ، أَوْ مَعْلُومًا‏)‏ جَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُهُ مَجْهُولًا بِأَنْ أَتْلَفَ مَالًا لَا يَدْرِي قِيمَتَهُ، أَوْ يَجْرَحُ جِرَاحَةً لَا يَعْلَمُ أَرْشَهَا، أَوْ يَبْقَى عَلَيْهِ بَاقِيَةُ حِسَابٍ لَا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُهُ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ بِهِ بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ كَمَا إذَا قَالَ لِرَجُلَيْنِ‏:‏ لِأَحَدِكُمَا عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا وَكَذَلِكَ جَهَالَةُ الْمُقِرِّ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ كَمَا إذَا قَالَ رَجُلَانِ لِرَجُلٍ‏:‏ لَك عَلَى أَحَدِنَا مِائَةُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُقَالُ لَهُ‏:‏ بَيِّنْ الْمَجْهُولَ‏)‏؛ لِأَنَّ التَّجْهِيلَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَيَانِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ‏)‏ ‏(‏قَالَ‏:‏ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ‏)‏ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِيهَا وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ‏:‏ فِي الْفَلْسِ فَمَا زَادَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ‏:‏ فِيهِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ وَكَذَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ تَصْدِيقُ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ فَإِنْ عَادَ بَعْدُ إلَى التَّصْدِيقِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ، وَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ فِي حَالِ إنْكَارِهِ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَوْ قَالَ سَرَقْت مِنْ هَذَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَا بَلْ سَرَقْت مِنْ هَذَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ أُضَمِّنُهُ لِلْأَوَّلِ عَشَرَةً وَأَقْطَعُهُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ‏"‏ لَا بَلْ ‏"‏ رُجُوعٌ، وَرُجُوعُهُ مَقْبُولٌ فِي الْحَدِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الْمَالِ فَيَضْمَنُ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُقْطَعُ ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلَى نَفْسِهِ الْإِقْرَارَ بِالسَّرِقَةِ لِلثَّانِي وَذَلِكَ مَقْبُولٌ فَيُقْطَعُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ‏)‏ ‏(‏قَالَ‏:‏ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ فَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى بَيَانِهِ إلَيْهِ‏)‏ لِأَنَّ إقْرَارَهُ وَقَعَ عَلَى مَالٍ مَجْهُولٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ‏:‏ فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ‏)‏ لِأَنَّ الْقَلِيلَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمَالِيَّةِ كَمَا يَدْخُلُ الْكَثِيرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَالٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مَالًا عُرْفًا، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ حَقِيرٌ، أَوْ قَلِيلٌ، أَوْ خَسِيسٌ، أَوْ تَافِهٌ، أَوْ نَزْرٌ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ مَوْصُوفٍ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ الْوَصْفِ وَالنِّصَابُ عَظِيمٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ صَاحِبُهُ غَنِيًّا بِهِ، وَالْغَنِيُّ عَظِيمٌ عِنْدَ النَّاسِ وَهَذَا إذَا قَالَ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَمَّا إذَا قَالَ مِنْ الدَّنَانِيرِ فَالتَّقْدِيرُ بِعِشْرِينَ مِثْقَالًا، وَفِي الْإِبِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى نِصَابٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهِ، وَفِي غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ يُقَدَّرُ بِقِيمَةِ النِّصَابِ وَكَذَا إذَا قَالَ مَالٌ كَثِيرٌ، أَوْ جَلِيلٌ فَهُوَ كَقَوْلِهِ عَظِيمٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُصَدَّقُ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إذَا قَالَ مِنْ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ نِصَابُ السَّرِقَةِ فَهُوَ عَظِيمٌ حَيْثُ تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ‏:‏ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى حَالِ الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ، وَالْغِنَى فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ وَكَمَا أَنَّ الْمِائَتَيْنِ عَظِيمٌ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ فَالْعَشَرَةُ عَظِيمٌ فِي قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ وَتَقْدِيرِ الْمَهْرِ فَيَتَعَارَضُ وَيَكُونُ الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى حَالِ الرَّجُلِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ مَالٌ نَفِيسٌ، أَوْ خَطِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ لَزِمَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ غَصَبْته إبِلًا عَظِيمَةً، أَوْ بَقَرًا عَظِيمَةً أَوْ شَاةً عَظِيمَةً لَزِمَهُ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَمِنْ الْبَقَرِ

ثَلَاثُونَ وَمِنْ الْغَنَمِ أَرْبَعُونَ فَأَمَّا الْخَمْسُ مِنْ الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانَتْ نِصَابًا فَإِنَّهَا لَمْ تُجْعَلْ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهَا، وَإِنَّمَا تَجِبُ مِنْ الْغَنَمِ وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِنُقْصَانِهَا وَقِلَّتِهَا، وَإِنْ قَالَ‏:‏ حِنْطَةٌ كَثِيرَةٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي النِّصَابِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا نِصَابَ لَهَا فَيُرْجَعُ إلَى بَيَانِ الْمُقِرِّ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ زِيَادَةً عَلَى مَا يُقْبَلُ بَيَانُهُ فِيهِ لَوْ قَالَ عَلَيَّ حِنْطَةٌ حَتَّى لَا تُلْغَى الصِّفَةُ وَلَوْ قَالَ أَمْوَالٌ عِظَامٌ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَمْوَالٍ فَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ فِضَّةً أَوْ سِتِّينَ مِثْقَالًا إنْ قَالَ مِنْ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْوَالٌ جَمْعُ مَالٍ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ‏)‏ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ فِي الْعَادَةِ هُوَ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ إلَى حَدِّ الْغِنَى وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَلَهُ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ يُقَالُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ هَذَا الْأَكْثَرَ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، وَإِنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَشَرَةِ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ فَلَزِمَهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ‏)‏؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَكْثَرَ مِنْهَا‏)‏ فَإِنْ بَيَّنَ أَكْثَرَ لَزِمَهُ مَا بَيَّنَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ فِي الْبَلَدِ فَإِنْ ادَّعَى الْمُقِرُّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْوَزْنِ لَمْ يُصَدَّقْ فَإِنْ كَانُوا فِي بَلَدٍ أَوْزَانُهَا

مُخْتَلِفَةٌ فَهُوَ عَلَى أَقَلِّهَا؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ مُتَيَقَّنٌ دُخُولُهُ تَحْتَ الْإِقْرَارِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُسْتَحَقُّ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ إذَا وَصَلَ، وَإِذَا لَمْ يَصِلْ وَسَمَّى دِرْهَمًا فَهُوَ دِرْهَمٌ وَزْنُ سَبْعَةٍ، وَإِنْ قَالَ دُرَيْهِمٌ، أَوْ دُنَيْنِيرٌ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ تَامٌّ وَدِينَارٌ تَامٌّ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْ دَرَاهِمَ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ فَعَلَيْهِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً لَزِمَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَرَاهِمُ اسْمُ جَمْعٍ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَقَوْلُهُ‏:‏ أَضْعَافًا جَمْعٌ آخَرُ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا ضَرَبْت ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ كَانَتْ تِسْعَةً وَقَوْلُهُ‏:‏ مُضَاعَفَةً يَقْتَضِي ضِعْفَ ذَلِكَ وَضِعْفُ التِّسْعَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ أَضْعَافًا فَهِيَ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّ أَضْعَافًا جَمْعُ ضِعْفٍ فَإِذَا ضُوعِفَتْ الثَّلَاثَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَتْ تِسْعَةً‏.‏

وَإِنْ قَالَ‏:‏ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَأَضْعَافُهَا مُضَاعَفَةً فَعَلَيْهِ ثَمَانُونَ؛ لِأَنَّ أَضْعَافَ الْعَشَرَةِ ثَلَاثُونَ فَإِذَا ضُمَّتْ إلَى الْعَشَرَةِ كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَقَدْ أَوْجَبَهَا مُضَاعَفَةً فَتَكُونُ ثَمَانِينَ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَلَوْ قَالَ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ أَضْعَافًا فَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمُضَاعَفَةَ سِتَّةٌ فَإِذَا أَوْجَبَهَا أَضْعَافًا اقْتَضَى ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ غَيْرُ دِرْهَمٍ فَلَهُ دِرْهَمَانِ، وَإِنْ قَالَ غَيْرُ الْأَلْفِ فَعَلَيْهِ أَلْفَانِ، وَإِنْ قَالَ غَيْرُ أَلْفَيْنِ فَلَهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ؛ لِأَنَّ الْغَيْرَ مَا قَابَلَ الشَّيْءَ عَلَى طَرِيقِ الْمُمَاثَلَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا‏)‏ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ

وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْعَدَدَيْنِ الْمُفَسَّرَيْنِ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَلَزِمَهُ الْأَقَلُّ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ عِشْرُونَ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دِرْهَمٍ بِالْخَفْضِ لَزِمَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دِرْهَمٌ بِالرَّفْعِ، أَوْ بِالسُّكُونِ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْمُبْهَمِ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دَرَاهِمَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَلَوْ ثَلَّثَ ‏"‏ كَذَا ‏"‏ بِغَيْرِ وَاوٍ لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ سِوَاهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ‏:‏ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ دِرْهَمٌ - بِرَفْعِهِمَا وَتَنْوِينِهِمَا - فَسَّرَ الْأَلْفَ بِمَا لَا يَنْقُصُ قِيمَتُهُ عَنْ دِرْهَمٍ كَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ أَلْفٌ قِيمَةُ الْأَلْفِ مِنْهُ دِرْهَمٌ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا‏)‏ لِأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَتَيْنِ وَعَطَفَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بِالْوَاوِ وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ دِرْهَمًا مَنْصُوبًا وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَلَزِمَهُ الْأَقَلُّ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ مِائَةٌ وَأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَإِنْ قَالَ كَذَا كَذَا دِينَارًا، أَوْ دِرْهَمًا لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ النِّصْفُ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ ‏"‏ فَوْقَ ‏"‏ تُسْتَعْمَلُ لِلزِّيَادَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِك مَالُ فُلَانٍ فَوْقَ مِائَةٍ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ دِرْهَمٌ تَحْتَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ ‏"‏ تَحْتَ ‏"‏ تُذْكَرُ عَلَى طَرِيقِ النُّقْصَانِ فَلَزِمَهُ مَا تَلَفَّظَ بِهِ وَهُوَ دِرْهَمٌ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ كَذَا فِي الْقَاضِي، وَإِنْ قَالَ‏:‏ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ، أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ، ثُمَّ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ لَهُ عَلَيَّ، أَوْ قِبَلِي فَقَدْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ‏)‏؛ لِأَنَّ عَلَيَّ صِيغَةُ إيجَابٍ وَكَذَا قِبَلِي يُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْقَبَالَةَ اسْمٌ لِلضَّمَانِ كَالْكَفَالَةِ فَإِنْ قَالَ الْمُقِرُّ هِيَ وَدِيعَةٌ إنْ وَصَلَ صُدِّقَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ عَلَيَّ يُفِيدُ الدَّيْنَ وَلِأَنَّهُ إذَا وَصَلَ فَالْكَلَامُ لَمْ يَسْتَقِرَّ فَكَأَنَّهُ وَصَلَ بِهِ اسْتِثْنَاءً فَيُقْبَلُ وَيَصِيرُ قَوْلُهُ‏:‏ عَلَيَّ أَيْ عَلَيَّ حِفْظُهَا وَتَسْلِيمُهَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ‏)‏ ‏(‏قَالَ‏:‏ لَهُ عِنْدِي، أَوْ مَعِي فَهُوَ إقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ فِي يَدِهِ‏)‏ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ فِي بَيْتِي، أَوْ فِي صُنْدُوقِي، أَوْ فِي كِيسِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ بِكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِهِ وَذَلِكَ يَتَنَوَّعُ إلَى مَضْمُونٍ وَأَمَانَةٍ فَيَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهِيَ الْوَدِيعَةُ فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ هِيَ قَرْضٌ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهَذِهِ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ إنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ جَازَتْ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ؛ لِأَنَّ ‏"‏ مِنْ ‏"‏ لِلِابْتِدَاءِ، وَالتَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ هِبَةٌ وَمِنْ شَرْطِ الْهِبَةِ الْقَبْضُ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَهُ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا حَقَّ لِي فِيهَا فَهَذَا إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ بِالْهِبَةِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْهَا لَا بِالتَّسْلِيمِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَهُ فِي دَرَاهِمِي هَذِهِ أَلْفٌ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالشَّرِكَةِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ عَارِيَّةً فَهِيَ قَرْضٌ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ، وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ‏:‏ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ‏:‏ هِيَ وَدِيعَةٌ فَقَالَ بَلْ أَخَذْتهَا غَصْبًا كَانَتْ غَصْبًا، وَالْآخِذُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَادَّعَى الْإِذْنَ فِيهِ فَلَا يُصَدَّقُ كَمَنْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ أَوْ هَدَمَ دَارَ غَيْرِهِ، أَوْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ وَادَّعَى الْإِذْنَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا

يُصَدَّقُ وَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَخَذْت لَك أَلْفَيْنِ أَحَدَهُمَا وَدِيعَةً، وَالْآخَرَ غَصْبًا فَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ وَهَذِهِ الْغَصْبُ فَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ بَلْ الْغَصْبُ هُوَ الَّذِي ضَاعَ، وَهَذِهِ الْوَدِيعَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَالِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ‏:‏ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ قَالَ‏:‏ اتَّزِنْهَا أَوْ انْتَقِدْهَا، أَوْ أَجِّلْنِيهَا، أَوْ قَدْ قَضَيْتُكَهَا فَهُوَ إقْرَارٌ‏)‏ كَذَا إذَا قَالَ خُذْهَا، أَوْ تَنَاوَلْهَا أَوْ اسْتَوْفِهَا، وَأَمَّا إذَا قَالَ‏:‏ خُذْ أَوْ اتَّزِنْ، أَوْ اُنْقُدْ، أَوْ اسْتَوْفِ أَوْ تَنَاوَلْ، أَوْ افْتَحْ كِيسَك، أَوْ هَاتِ مِيزَانَك فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُذْكَرُ لِلِاسْتِهْزَاءِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ هَلْ هِيَ جِيَادٌ، أَوْ زُيُوفٌ‏؟‏ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ إقْرَارٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَإِنْ قَالَ فِي جَوَابِهِ نَعَمْ، أَوْ صَدَقْتَ، أَوْ أَنَا مُقِرٌّ، أَوْ لَسْتُ بِمُنْكِرٍ فَهَذَا إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ مُنْكِرًا وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَبْرَأْتَنِي مِنْهَا، أَوْ قَدْ قَبَضْتَهَا مِنِّي فَهُوَ إقْرَارٌ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةُ الْقَضَاءِ، أَوْ الْإِبْرَاءِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ عَبِّ لَهَا صُرَّةً قَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ هُوَ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ الْهَاءَ رَاجِعَةٌ إلَى الْأَلْفِ وَكَذَا إذَا قَالَ وَهَبْتَهَا لِي، أَوْ قَدْ أَحَلْتُك بِهَا عَلَى فُلَانٍ، أَوْ لَسْت أَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا الْيَوْمَ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ‏:‏ اقْضِنِي الْأَلْفَ الَّتِي لِي عَلَيْك فَقَالَ‏:‏ غَدًا، أَوْ ابْعَثْ لَهَا مَنْ يَقْبِضُهَا، أَوْ أَمْهِلْنِي أَيَّامًا أَوْ أَنْتَ كَثِيرُ الْمُطَالَبَةِ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ وَكَذَا إذَا قَالَ‏:‏ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ‏:‏ وَاَللَّهِ لَا بَقِيتُ أَسْتَقْرِضُ مِنْك غَيْرَهَا، أَوْ كَمْ تَمُنُّ عَلَيَّ بِهَا فَهُوَ إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ نَتَحَاسَبُ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَإِنْ قَالَ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ بَلَى فَهُوَ إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى دَقَائِقِ الْعَرَبِيَّةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الدَّيْنِ وَكَذَّبَهُ فِي الْأَجَلِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ حَالًّا وَيُسْتَحْلَفُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ‏)‏ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ هَذَا إذَا لَمْ يَصِلْ الْأَجَلَ بِكَلَامِهِ أَمَّا إذَا وَصَلَهُ صُدِّقَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَاسْتَثْنَى مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي‏)‏ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ‏:‏ اسْتِثْنَاءِ تَعْطِيلٍ، وَاسْتِثْنَاءِ تَحْصِيلٍ وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ مَفْصُولًا وَيَصِحُّ مَوْصُولًا فَالتَّعْطِيلُ تَعْطِيلُ جَمِيعِ الْكَلَامِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ، وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ التَّحْصِيلِ فَأَلْفَاظُهُ ثَلَاثَةٌ‏:‏ إلَّا وَغَيْرُ وَسِوَى، وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ بِشَرْطِ أَنْ يَتَحَصَّلَ بِإِقْرَارِهِ شَيْءٌ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً فَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ وَيَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا رُجُوعٌ وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ وَهَذَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ الْمُسَمَّى، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ نِسَاءٍ طَوَالِقُ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُ نِسَاءٌ غَيْرُهُنَّ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَطَلُقْنَ كُلُّهُنَّ وَكَذَا إذَا قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَعَتَقُوا جَمِيعًا وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَسَوَاءٌ الْأَقَلُّ، أَوْ الْأَكْثَرُ‏)‏ وَهَذَا قَوْلُهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ اسْتَثْنَى الْأَكْثَرَ بَطَلَ اسْتِثْنَاؤُهُ وَلَزِمَهُ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ اسْتَثْنَى الْجَمِيعَ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ‏)‏؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْجَمِيعِ رُجُوعٌ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَثْنَى بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَالِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ نَفْيٌ وَالثَّانِي

إيجَابٌ مِثْلُ قَوْلِهِ‏:‏ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشْرَةَ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ نَفْيٌ فَكَأَنَّهُ نَفَى بِهِ الْإِقْرَارَ بِتِسْعَةٍ يَبْقَى وَاحِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي إيجَابٌ فَكَأَنَّهُ أَوْجَبَ الثَّمَانِيَةَ مَعَ الدِّرْهَمِ الْبَاقِي مِنْ الْعَشَرَةِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ مَا أَقَرَّ بِهِ بِيَمِينِك وَالِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ بِيَسَارِكَ وَالِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ بِيَمِينِك وَعَلَى هَذَا إلَى آخِرِ الِاسْتِثْنَاءِ فَمَا اجْتَمَعَ فِي يَسَارِك أَسْقِطْهُ مِمَّا فِي يَمِينِك فَمَا بَقِيَ فَهُوَ الْمُقَرُّ بِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ اسْتَثْنَى الْجَمِيعَ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ‏)‏ هَذَا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَمَا إذَا اسْتَثْنَى مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ قَفِيزَ حِنْطَةٍ أَوْ دَنَانِيرَ وَقِيمَةُ ذَلِكَ تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ صَحَّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا، أَوْ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الْمِائَةُ الدِّرْهَمِ إلَّا قِيمَةَ الدِّينَارِ، أَوْ الْقَفِيزِ‏)‏ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَلَوْ قَالَ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِحُّ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَى مَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهِ كَالثَّوْبِ وَالشَّاةِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يَجُوزُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهِ كَالْكَيْلِيِّ، وَالْوَزْنِيِّ، وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ جَازَ عِنْدَهُمَا وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ فَإِذَا صَحَّ هَذَا فَقَوْلُهُ إلَّا دِينَارًا، أَوْ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ اسْتِثْنَاءُ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهِ فَصَحَّ فَيُطْرَحُ عَنْهُ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ قِيمَةُ ذَلِكَ الْمُسْتَثْنَى، وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ مَا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَالَ‏:‏ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ وَقَفِيزَ شَعِيرٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ وَيَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْجُمْلَةَ فَصَارَ لَغْوًا فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ فَقَدْ أَدْخَلَ بَيْنَ الْكُرِّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَبَيْنَ الْقَفِيزِ الشَّعِيرِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَانْقَطَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فَصَارَ كَمَا لَوْ سَكَتَ ثُمَّ اسْتَثْنَى‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الشَّعِيرِ وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْحِنْطَةِ فَيَلْزَمُهُ كُرُّ حِنْطَةٍ وَتِسْعٌ وَثَلَاثُونَ قَفِيزًا مِنْ الشَّعِيرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مُتَّصِلٌ وَقَدْ اسْتَثْنَى مِنْهُ فَصَارَ

كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ يَا فُلَانُ إلَّا تِسْعَةَ دَرَاهِمَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيَّ وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْمُنَادَى بِهِ هُوَ الْمُقَرُّ لَهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمُقَرِّ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا شَيْئًا قَلِيلًا لَزِمَهُ الْأَلْفُ إلَّا الشَّيْءَ الْقَلِيلَ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ إلَيْهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَوْ‏)‏ ‏(‏قَالَ‏:‏ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ فَالْمِائَةُ دَرَاهِمُ‏)‏ يَعْنِي تَلْزَمُهُ كُلُّهَا دَرَاهِمَ وَكَذَا الدَّنَانِيرُ، وَالْمَكِيلُ، وَالْمَوْزُونُ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ‏:‏ إذَا قَالَ‏:‏ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ وَدِرْهَمٌ كَانَ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَإِنْ قَالَ‏:‏ عَشَرَةٌ وَدِرْهَمَانِ كَانَ عَلَيْهِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ فِي الْأَوَّلِ دِرْهَمٌ، وَفِي الثَّانِي دِرْهَمَانِ وَتَفْسِيرُ الْعَشَرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ عَشَرَةٌ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَإِنْ قَالَ‏:‏ عَشَرَةٌ وَدِينَارٌ وَعَشَرَةٌ وَدِينَارَانِ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ‏)‏ ‏(‏قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَوْبٌ لَزِمَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ‏)‏ وَالْمَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ مِائَةٌ وَثَوْبَانِ يَلْزَمُهُ ثَوْبَانِ وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ فَالْجَمِيعُ أَثْوَابٌ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ‏:‏ مِائَةٌ وَشَاتَانِ يَلْزَمُهُ شَاتَانِ وَتَفْسِيرُ الْمِائَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ وَثَلَاثُ شِيَاهٍ فَالْكُلُّ شِيَاهٌ، وَإِنْ قَالَ عَشَرَةٌ وَعَبْدٌ لَزِمَهُ الْعَبْدُ وَتَفْسِيرُ الْعَشَرَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ فَإِنْ قَالَ‏:‏ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ فُلُوسًا أَوْ جَوْزًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ‏:‏ كَمَا إذَا قَالَ

عَلَيَّ شَيْءٌ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَنَيِّفًا، أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَنَيِّفٌ فَالْقَوْلُ فِي النَّيِّفِ مَا قَالَ إمَّا دِرْهَمٌ، أَوْ أَكْثَرُ وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ النَّيِّفَ مَا زَادَ وَأَنَافَ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ قَالَ بِضْعٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا فَالْبِضْعُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفٍ، أَوْ جُلُّ أَلْفٍ، أَوْ زُهَاءُ أَلْفٍ، أَوْ عُظْمُ أَلْفٍ فَعَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ وَشَيْءٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ‏:‏ فِي الزِّيَادَةِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي النِّصْفِ وَمَا دُونَهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ وَقَالَ‏:‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ‏)‏؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ يَرْفَعُ الْكَلَامَ مِنْ أَصْلِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إمَّا إبْطَالٌ، أَوْ تَعْلِيقٌ فَإِنْ كَانَ إبْطَالًا فَقَدْ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، أَوْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إذَا مِتّ، أَوْ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، أَوْ إذَا أَفْطَرَ النَّاسُ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْمُدَّةِ فَيَكُونُ تَأْجِيلًا لَا تَعْلِيقًا حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ يَكُونُ الْمَالُ حَالًّا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ لِفُلَانِ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ فُلَانٌ كَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ قَالَ فُلَانٌ شِئْت؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مُعَلَّقٌ بِخَطَرٍ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ، أَوْ بِهُبُوبِ الرِّيحِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ مِتّ فَالْأَلْفُ لَازِمَةٌ لَهُ إنْ عَاشَ، أَوْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ وَذَكَرَ أَجَلًا مَجْهُولًا فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ أَقَرَّ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الْخِيَارُ‏)‏ وَصُورَتُهُ إذَا أَقَرَّ بِفَرْضٍ، أَوْ غَصْبٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا وَسَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْخِيَارِ، أَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ، وَالْإِقْرَارَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ أَقَرَّ بِدَارٍ وَاسْتَثْنَى بِنَاءَهَا لِنَفْسِهِ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ الدَّارُ، وَالْبِنَاءُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَرَفَ بِالدَّارِ دَخَلَ الْبِنَاءُ تَبَعًا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي، وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ‏)‏ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ دُونَ الْبِنَاءِ وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ لَا يَصِحُّ إفْرَازُهُ مِنْ الدَّارِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي، وَالْأَرْضُ لِفُلَانٍ يَكُونُ الْكُلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ وَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْأَرْضِ إقْرَارًا بِالْبِنَاءِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّارِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ، وَالْقَوْصَرَّةُ‏)‏ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَضَافَ مَا أَقَرَّ بِهِ إلَى فِعْلٍ بِأَنْ قَالَ غَصَبْت مِنْهُ تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ، وَالْقَوْصَرَّةُ، وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى فِعْلٍ بَلْ ذَكَرَهُ ابْتِدَاءً فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ تَمْرٌ فِي قَوْصَرَّةٍ فَعَلَيْهِ التَّمْرُ دُونَ الْقَوْصَرَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلٌ، وَالْقَوْلَ يَتَمَيَّزُ بِهِ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ بِعْت لَهُ زَعْفَرَانًا فِي سَلَّةٍ وَكَذَا إذَا قَالَ‏:‏ غَصَبْته طَعَامًا فِي جَوْلَقٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ غَصَبْته تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَّةٍ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ ‏"‏ مِنْ ‏"‏ لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْمَنْزُوعِ، وَالْقَوْصَرَّةُ تُرْوَى بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَهِيَ وِعَاءٌ لِتَمْرٍ مُتَّخَذٌ مِنْ قَصَبٍ بَرِّيٍّ، وَإِنَّمَا تُسَمَّى قَوْصَرَّةً مَا دَامَ فِيهَا التَّمْرُ، وَإِلَّا فَهِيَ زِنْبِيلٌ قَالَ الشَّاعِرُ أَفْلَحَ مَنْ كَانَتْ لَهُ قَوْصَرَّهْ يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّهْ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ أَقَرَّ بِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَهُ الدَّابَّةُ خَاصَّةً‏)‏ لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْغَصْبُ لَا سِيَّمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا إذَا قَالَ غَصَبْته مِائَةَ كُرٍّ حِنْطَةً فِي بَيْتٍ لَزِمَهُ الْحِنْطَةُ دُونَ الْبَيْتِ فِي قَوْلِهِمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ الْبَيْتُ، وَالْحِنْطَةُ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ قَالَ غَصَبْته ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمِنْدِيلَ ظَرْفًا لَهُ وَهُوَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى أَخْذِ الثَّوْبِ إلَّا بِالْإِيقَاعِ فِي الْمِنْدِيلِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ فِي ثَوْبٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا‏)‏ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ وَهَذَا إذَا قَالَ‏:‏ غَصَبْته أَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْغَصْبَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ظَرْفًا لَهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ‏)‏ لِأَنَّ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي الْعَادَةِ كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ غَصَبْته ثَوْبًا فِي دِرْهَمٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا‏)‏ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُلَفَّ الثَّوْبُ النَّفِيسُ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ حَرْفَ ‏"‏ فِي ‏"‏ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْنِ، وَالْوَسْطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَادْخُلِي فِي عِبَادِي‏}‏ أَيْ بَيْنَ عِبَادِي فَوَقَعَ الشَّكُّ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ ثَوْبٍ وَجَاءَ بِثَوْبٍ مَعِيبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ‏:‏ مَعَ يَمِينِهِ‏)‏ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّلِيمِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ وَقَالَ‏:‏ هِيَ زُيُوفٌ‏)‏ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ وَصَلَ، أَوْ فَصَلَ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهَا غَصْبٌ وَلَمْ يَنْسُبْ ذَلِكَ إلَى ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ وَقِيلَ إنْ وَصَلَ صُدِّقَ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ أَمَّا إذَا نَسَبَ ذَلِكَ إلَى بَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ لَمْ يُصَدَّقْ وَصَلَ، أَوْ فَصَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ عَقْدِ الْبَيْعِ يَقْتَضِي صِحَّةَ الثَّمَنِ وَكَوْنَهَا زُيُوفًا عَيْبٌ فِيهَا فَقَدْ ادَّعَى رِضَا الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ فَلَا يُصَدَّقُ وَعِنْدَهُمَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ‏)‏ ‏(‏قَالَ لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ - يُرِيدُ الضَّرْبَ، وَالْحِسَابَ - لَزِمَهُ خَمْسَةٌ وَاحِدَةٌ‏)‏ لِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يُكْثِرُ الْأَعْيَانَ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا لَهُ مِسَاحَةٌ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت خَمْسَةً مَعَ خَمْسَةٍ لَزِمَهُ عَشَرَةٌ‏)‏ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الِابْتِدَاءُ وَمَا بَعْدَهُ وَتَسْقُطُ الْغَايَةُ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا‏)‏ فَيَدْخُلُ الِابْتِدَاءُ، وَالْغَايَةُ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَلَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ وَكَذَا إذَا قَالَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ وَلَوْ قَالَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ فَالْحَائِطَانِ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِقْرَارِ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مُرَتَّبَةً وَقَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَا بَيْنَ هَذَا الدِّرْهَمِ إلَى هَذَا الدِّرْهَمِ وَأَشَارَ إلَى الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ ثَمَانِيَةٌ إجْمَاعًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ، أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ يَقَعُ طَلْقَتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ثَلَاثٌ، وَإِنْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ يَقَعُ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ، أَوْ مِنْ دِينَارٍ إلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَجْعَلُ الْحَدَّ الَّذِي لَا يَدْخُلُ مِنْ أَفْضَلِهِمَا وَيَقُولُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ أَرْبَعَةُ وَلَوْ قَالَ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَتِسْعَةُ دَنَانِيرَ وَكَذَا إذَا قَالَ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ إلَى

عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ كُلُّهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ فَعَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُرٌّ وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ مِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَتِسْعُونَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فَإِذَا جَعَلَ الْغَايَةَ جُمْلَةً أَسْقَطَ مِنْهَا الْعَدَدَ الَّذِي يَكْمُلُ بِهِ الْجُمْلَةُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمِائَةَ تَتَرَكَّبُ مِنْ الْعَشَرَاتِ فَسَقَطَتْ الْعَشَرَةُ الَّتِي تَكْمُلُ بِهَا الْمِائَةُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْمِائَتَانِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ‏)‏ ‏(‏قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ اشْتَرَيْته مِنْهُ وَلَمْ أَقْبِضْهُ فَإِنْ ذَكَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَخُذْ الْأَلْفَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك‏)‏ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِالْأَلْفِ فِي مُقَابَلَةِ مَبِيعٍ يَلْزَمُهُ ثَمَنُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَإِذَا لَمْ يَقْبِضْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَلْفُ، وَإِنْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدُ عَبْدُك مَا بِعْتُكَهُ، وَإِنَّمَا بِعْتُك غَيْرَهُ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُقَرِّ لِإِقْرَارِهِ بِهِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْعَبْدِ وَقَدْ سُلِّمَ لَهُ، وَإِنْ قَالَ الْعَبْدُ عَبْدِي مَا بِعْتُكَهُ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالْمَالِ إلَّا عِوَضًا عَنْ الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ يُعَيِّنْهُ إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ مَا قَبَضْت وَصَلَ، أَوْ فَصَلَ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ، وَإِنْكَارُهُ الْقَبْضَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ يُنَافِي الْوُجُوبَ أَصْلًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ‏)‏ ‏(‏قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ‏)‏؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَقَوْلُهُ‏:‏ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ لَا يَلْزَمُهُ‏.‏

وَفِي الْهِدَايَةِ لَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ، أَوْ فَصَلَ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ وَعِنْدَهُمَا إذَا وَصَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ‏:‏ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ عَلَيَّ هَذَا الْحَائِطُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الشَّكِّ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَدْخُلُهُ الشَّكُّ فِي ذَلِكَ فَيَلْغُو ذِكْرُ الْحَائِطِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ هُوَ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ آخَرَ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَضْمَنُ لِلثَّانِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لِلثَّانِيَّ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ هُوَ لِلْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ لِلثَّانِي قِيمَتَهُ وَلَوْ قَالَ مَا لَك عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ وَلَا أَقَلُّ، لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا لَك عَلَيَّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَوْ قَالَ أَقْرَرْت لَك وَأَنَا صَبِيٌّ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ بَلْ أَقْرَرْت لِي وَأَنْتَ بَالِغٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا قَالَ أَقْرَرْت لَك وَأَنَا نَائِمٌ فَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ أَقْرَرْت لَك وَأَنَا ذَاهِبُ الْعَقْلِ مِنْ جُنُونٍ، أَوْ بِرْسَامٍ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ أَصَابَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَتُهُ، وَإِنْ قَالَ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَأَنَا صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا يَصِحُّ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ وَهِيَ زُيُوفٌ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ جِيَادٌ لَزِمَهُ الْجِيَادُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا صُدِّقَ، وَإِنْ قَالَهُ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ‏)‏ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ وَكَذَا إذَا قَالَ‏:‏ أَقْرَضَنِي أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَتَاعَ فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَبِيعَ، وَالْقَرْضَ قِيلَ يُصَدَّقُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهُمَا وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعُقُودِ لَا إلَى الِاسْتِهْلَاكِ الْمُحَرَّمِ، وَإِنْ قَالَ غَصَبْته أَلْفًا، أَوْ أَوْدَعَنِي أَلْفًا ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ، أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ وَصَلَ، أَوْ فَصَلَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَغْصِبُ مَا يَجِدُ وَيُودِعُ مَا يَمْلِكُ فَلَا مُقْتَضِيَ لَهُ فِي الْجِيَادِ وَلَا تَعَامُلَ فَيَصِحَّ، وَإِنْ فَصَلَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ مَفْصُولًا اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ وَلَوْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ، أَوْ رَصَاصٌ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِالْغَصْبِ، الْوَدِيعَةِ وَوَصَلَ صُدِّقَ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ قَالَ فِي هَذَا كُلِّهِ أَلْفًا إلَّا أَنَّهَا تَنْقُصُ كَذَا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا إذَا وَصَلَ، وَأَمَّا إذَا فَصَلَ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءُ الْمِقْدَارِ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَصِحُّ مَفْصُولًا بِخِلَافِ الزِّيَافَةِ؛ لِأَنَّهَا وَصْفٌ فَإِنْ كَانَ الْفَصْلُ ضَرُورَةَ انْقِطَاعِ الْكَلَامِ فَهُوَ وَاصِلٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ‏:‏ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ فَقَالَ الْآخَرُ أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ قَالَ أَعْطَيْتنِيهَا وَدِيعَةً فَقَالَ غَصَبْتهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ وَهُوَ الْإِذْنُ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ،

وَفِي الثَّانِي أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْغَصْبُ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ مَعَ الْيَمِينِ، وَالْقَبْضُ فِي هَذَا كَالْأَخْذِ وَالدَّفْعُ كَالْإِعْطَاءِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِخَاتَمٍ فَلَهُ الْحَلْقَةُ، وَالْفَصُّ‏)‏؛ لِأَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى الْفَصَّ فَقَالَ الْخَاتَمُ لَهُ، وَالْفَصُّ لِي كَانَ الْجَمِيعُ لِلْمُقَرِّ لَهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِسَيْفٍ فَلَهُ النَّصْلُ، وَالْجِفْنُ، وَالْحَمَائِلُ‏)‏ الْجِفْنُ الْغِمْدُ وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْمَ يَنْطَوِي عَلَى الْكُلِّ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ أَقَرَّ بِحَجَلَةٍ فَلَهُ الْعِيدَانُ، وَالْكِسْوَةُ‏)‏ الْحَجَلَةُ خَيْمَةٌ صَغِيرَةٌ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ قَالَ لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنْ قَالَ أَوْصَى بِهَا فُلَانٌ، أَوْ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبٍ يَصْلُحُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ‏:‏ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ جِهَةِ مِيرَاثٍ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ اسْتَهْلَكْتُهَا، وَفِي الْوَصِيَّةِ يَقُولُ أَوْصَى بِهَا فُلَانٌ غَيْرُ أَبِيهِ فَاسْتَهْلَكْتُهَا وَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا لِلْجَنِينِ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا لِأَبِيهِ مَاتَ وَانْتَقَلَ إلَيْهِ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ حَيَّيْنِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي الْوَصِيَّةِ ذُكُورُهُمْ، وَإِنَاثُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، وَفِي الْمِيرَاثِ يَكُونُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ قَالَ الْمُقِرُّ بَاعَنِي، أَوْ أَقْرَضَنِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ، ثُمَّ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَفِي الْوَصِيَّةِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ وَيُعْتَبَرُ فِي حَمْلِ الدَّابَّةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا فِي حَمْلِ الْجَارِيَةِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ مَيِّتًا فَالْمَالُ لِلْمُوصِي يُقَسَّمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ أَبْهَمَ الْإِقْرَارَ لَمْ يَصِحَّ‏)‏ وَهَذَا ‏(‏عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ‏)‏‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَوْصَى بِهِ رَجُلٌ، أَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ، وَالْإِبْهَامُ أَنْ يَقُولَ لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ أَقَرَّ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ، أَوْ بِحَمْلِ شَاةٍ لِرَجُلٍ صَحَّ الْإِقْرَارُ وَلَزِمَهُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الْجَهَالَةِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ يَصِحُّ وَهَذَا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ جَائِزَةٌ إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُولَدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْمُدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ بَعْدَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ فِي الْعِدَّةِ حِينَئِذٍ لِأَجْلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ يُعْتَبَرُ إلَى سَنَتَيْنِ وَكَذَا فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ يُعْتَبَرُ إلَى سَنَتَيْنِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ‏:‏ الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَوْلَى وَكَذَا بِمَا فِي بَطْنِ دَابَّتِهِ إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ وَأَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلِ الدَّوَابِّ سِوَى الشَّاةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلِ الشَّاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏، وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدُيُونٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي صِحَّتِهِ وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي مَرَضِهِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَدَيْنُ الصِّحَّةِ وَالدَّيْنُ الْمَعْرُوفُ بِالْأَسْبَابِ مُقَدَّمٌ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ثُبُوتِ الْمَعْرُوفِ بِالْأَسْبَابِ؛ إذْ الْمُعَايَنُ لَا مَرَدَّ لَهُ مِثْلُ بَدَلِ مَالٍ يَمْلِكُهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَعُلِمَ وُجُوبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارِهِ، أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَهَذَا الدَّيْنُ مِثْلُ دَيْنِ الصِّحَّةِ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَلَا يُفْرِدَ بَعْضَهُمْ بِالْقَضَاءِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَلِأَنَّ فِي إيثَارِ الْبَعْضِ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ وَغُرَمَاءُ الصِّحَّةِ، وَالْمَرَضِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إلَّا إذَا قَضَى مَا اسْتَقْرَضَهُ فِي مَرَضِهِ، أَوْ نَقَدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى فِي مَرَضِهِ وَقَدْ عُلِمَ بِالْبَيِّنَةِ وَقَوْلُهُ‏:‏ وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ مِثْلُ ثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ لَزِمَتْهُ بِالْبَيِّنَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ فَهَذِهِ الدُّيُونُ وَدُيُونُ الصِّحَّةِ سَوَاءٌ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِذَا قُضِيَتْ‏)‏ يَعْنِي الدُّيُونَ الْمُقَدَّمَةَ وَفَضَلَ شَيْءٌ يُصْرَفُ إلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي حَالِ الْمَرَضِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي صِحَّتِهِ جَازَ إقْرَارُهُ وَكَانَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى مِنْ الْوَرَثَةِ‏)‏ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ إقْرَارُهُ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ، وَالْوَصِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الصِّحَّةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمَرَضِ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ صَاحِبُهُ أَنْ يَقُومَ إلَّا أَنْ يُقِيمَهُ إنْسَانٌ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَإِنْ كَانَ يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَقِيلَ هُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْمَشْيِ

إلَّا أَنْ يُهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ‏:‏ هُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا وَهَذَا أَحَبُّ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ هُوَ أَنْ لَا يُطِيقَ الْقِيَامَ إلَى حَاجَتِهِ، وَيَجُوزَ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا، أَوْ يُخَافَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ فَهَذَا هُوَ حَدُّ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ الَّذِي تَكُونُ تَبَرُّعَاتُ صَاحِبِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ كَالطَّاعُونِ، وَالْقُولَنْجِ وَذَاتِ الْجَنْبِ وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ، وَالْحُمَّى الْمُطْبِقَةِ، وَالْإِسْهَالِ الْمُتَوَاتِرِ وَقِيَامِ الدَّمِ وَالسُّلِّ فِي انْتِهَائِهِ، وَغَيْرُ الْمَخُوفِ كَالْجَرَبِ وَوَجَعِ الضِّرْسِ وَالرَّمَدِ، وَالْعِرْقِ الْمَدِينِيِّ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَالْمَرْأَةُ إذَا أَخَذَهَا الطَّلْقُ فَمَا فَعَلَتْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ سَلِمَتْ مِنْهُ جَازَ مَا فَعَلَتْهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ‏)‏ وَكَذَا هِبَتُهُ لَهُ وَوَصِيَّتُهُ لَهُ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ تُجِيزَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ وَهَذَا إذَا اتَّصَلَ الْمَرَضُ بِالْمَوْتِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ‏}‏ وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ الْإِقْرَارِ لَا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ عَكْسُهُ وَلَوْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ فِي مَرَضِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ أَقَلَّ صُدِّقَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثِهِ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ جَازَ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ كَانَتْ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِهَذَا الْوَارِثِ فَاسْتَهْلَكْتهَا وَلَوْ وَهَبَ لِوَارِثِهِ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ، ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ ضَمِنَ الْوَارِثُ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ مِيرَاثًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرِيضِ عَلَى الْوَارِثِ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ حَتَّى يُجِيزَهُ سَائِرُ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَإِنْ حَابَا فِيهِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ قَلَّتْ الْمُحَابَاةُ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ، وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ قَدْ كُنْت أَبْرَأْت فُلَانًا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فِي صِحَّتِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْبَرَاءَةَ فِي الْحَالِ فَإِذَا أَسْنَدَهَا إلَى زَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ حَكَمْنَا بِوُجُودِهَا فِي الْحَالِ وَكَانَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَاعْلَمْ أَنَّ تَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَالْهِبَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَالْمُحَابَاةِ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ، وَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدُّيُونِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ لَهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ بَطَلَ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بَاطِلٌ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُهُ لَهَا‏)‏ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا أَنَّ دَعْوَةَ النَّسَبِ تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَقَرَّ لِابْنِهِ فَلَا يَصِحُّ وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَصِرُ عَلَى زَمَانِ التَّزْوِيجِ فَبَقِيَ إقْرَارُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ يَعْنِي أَنَّ التَّزْوِيجَ إنَّمَا الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْإِقْرَارِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ فَمَاتَ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا تَوَصَّلَا بِالطَّلَاقِ إلَى تَصْحِيحِ الْإِقْرَارِ لَهَا زِيَادَةً عَلَى مِيرَاثِهَا وَلَا تُهْمَةَ فِي أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ فَتُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ وَهَذَا إذَا طَلَّقَهَا بِرِضَاهَا مِثْلُ أَنْ تَسْأَلَهُ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِهِ، وَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَالْإِقْرَارُ، وَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَانِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَرِثُ بِأَنْ كَانَتْ ذِمِّيَّةً صَحَّ إقْرَارُهُ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَوَصِيَّتُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ ابْنُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا وَيُشَارِكُ الْوَرَثَةَ فِي الْمِيرَاثِ‏)‏ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْبُنُوَّةِ مَعْنًى أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ وَلَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ وَقَوْلُهُ‏:‏ صَدَّقَهُ الْغُلَامُ هَذَا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَكَانَ عَاقِلًا أَمَّا الصَّغِيرُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهِ وَسَوَاءٌ صَدَّقَهُ فِي حَيَاةِ الْمُقِرِّ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ الْمُقِرُّ إنْ كَانَ امْرَأَةً لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سِنُّهَا أَكْبَرَ مِنْهُ بِتِسْعِ سِنِينَ وَنِصْفٍ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سِنُّهُ أَكْبَرَ مِنْهُ بِاثْنَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَنِصْفٍ وَقَوْلُهُ‏:‏ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ نَقْلَهُ عَنْهُ وَشَرْطُهُ أَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ لِكَيْ لَا يَكُونَ مُكَذَّبًا فِي الظَّاهِرِ وَلَوْ أَنَّ الْغُلَامَ إنَّمَا صَدَّقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَحَّ تَصْدِيقُهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِزَوْجَةٍ، ثُمَّ مَاتَ فَصَدَّقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ النِّكَاحِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ الْعِدَّةُ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُقِرَّةَ بِالزَّوْجِ، ثُمَّ مَاتَتْ فَصَدَّقَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ يَصِحَّ تَصْدِيقُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِالْمَوْتِ وَزَالَتْ أَحْكَامُهُ فَلَمْ يَجُزْ التَّصْدِيقُ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ ثَابِتٌ وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَبْدٌ صَغِيرٌ لَهُ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ ثَبَتَ النَّسَبُ أَيْضًا مِنْ الْمَوْلَى وَيَعْتِقُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ

وَيَعْتِقُ، وَإِنْ أَقَرَّ الْمَوْلَى أَنَّهُ ابْنُ الْعَبْدِ فَقَالَ هَذَا أَبِي وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَإِنَّ هُنَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ إنْ صَدَّقَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى أَنَّهُ ابْنُهُ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى أَنَّ الْعَبْدَ ابْنُهُ فَقَدْ ادَّعَى مَا فِي يَدِهِ لِنَفْسِهِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فَيُصَدَّقُ، وَأَمَّا فِي دَعْوَاهُ الْأُبُوَّةَ فَإِنَّهُ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَمَا لَمْ يُصَدِّقْهُ لَا يُقْبَلْ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيَجُوزُ إقْرَارُ الرَّجُلِ بِالْوَالِدَيْنِ، وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ، وَالْمَوْلَى‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَيُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ لَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الِابْنُ أَمْ لَمْ يُصَدِّقْهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، أَوْ لَمْ يُقِمْ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ، وَالْمَوْلَى‏)‏؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنًى تُلْزِمُهُ نَفْسَهَا وَلَا تَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِهَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا بِالْوَلَدِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ، أَوْ تَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا قَابِلَةٌ‏)‏ يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً، أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ أَمَّا إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا تَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِهَا فَلَا تُصَدَّقُ فَإِنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ إقْرَارِهَا وَكَذَا إذَا شَهِدَتْ بِوِلَادَتِهَا قَابِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا، وَإِذَا ثَبَتَ الْوِلَادَةُ مِنْهَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِثَلَاثَةٍ الزَّوْجِ، وَالْمَوْلَى، وَالْأَبِ لَا غَيْرُ فَيَظْهَرُ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ بِالْوَالِدَيْنِ وَقَعَ سَهْوًا؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ التَّنَاقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْأُمِّ وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْدِيقِهَا فَيَكُونُ تَصْدِيقُهَا بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهَا بِالْوَلَدِ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ إقْرَارَ الْمَرْأَةِ بِالْوَلَدِ لَا يُقْبَلُ وَيَصِحُّ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ‏:‏ إنَّهَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَيَكُونُ كَوَلَدِ الزِّنَا فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ أُمِّهِ فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ وَلَوْ ادَّعَى الْوَلَدَ اثْنَانِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ كَانَ ابْنَهُمَا فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ لَا يَرِثُ الْأَبَوَانِ مِنْهُ إلَّا مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ السُّدُسُ إذَا كَانَ الْوَلَدُ خَلَفَ أَوْلَادًا، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ وَرِثَ الْأَبُ الْبَاقِي السُّدُسَ كَامِلًا، وَإِنْ ادَّعَى ثَلَاثَةٌ وَلِذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَثْبُتُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ خَمْسَةٍ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ

أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَاهُ امْرَأَتَانِ وَأَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَهُوَ ابْنُهُمَا جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا يَثْبُتُ مِنْ خَمْسٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا يَثْبُتُ مِنْ خَمْسَةِ رِجَالٍ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ لَا يُقْضَى بِهِ مِنْ امْرَأَتَيْنِ وَلَا يَكُونُ ابْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَلِدَ امْرَأَتَانِ ابْنًا وَاحِدًا، وَإِنْ تَنَازَعَ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِهِ لِلرَّجُلِ وَلَا يُقْضَى بِهِ لِلْمَرْأَتَيْنِ، وَإِنْ تَنَازَعَ فِيهِ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ كُلُّ وَاحِدٍ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ تُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْضَى بِهِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَالْمَرْأَتَيْنِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُقْضَى بِهِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَإِذَا زَنَى الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الزَّانِي لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْهَا بِالْوِلَادَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ، وَالْوَلَدِ مِثْلُ الْأَخِ، وَالْعَمِّ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فِي النَّسَبِ‏)‏ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ، أَوْ بَعِيدٌ فَهُوَ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ فَلَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَهِيَ أَوْلَى مِنْهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ اسْتَحَقَّ الْمُقَرُّ لَهُ مِيرَاثَهُ‏)‏ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِهِ فَيَسْتَحِقَّ جَمِيعَ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَصِيَّةٌ حَقِيقَةً حَتَّى إنَّ مَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ، ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ وَصِيَّةً لَاشْتَرَكَا نِصْفَيْنِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَمَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ أَوْ خَالٍ، أَوْ عَمٍّ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ وَقَالَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك قَرَابَةٌ صَحَّ رُجُوعُهُ وَيَكُونُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ‏:‏ وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ أَخِيهِ وَيُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ‏)‏ لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ؛ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ‏:‏ وَالِاشْتِرَاكَ فِي الْمَالِ وَلَهُ فِيهِ وِلَايَةٌ فَيَثْبُتُ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعِتْقِ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَلَكِنَّهُ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ‏:‏ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ وَمِنْ فَوَائِدِ قَوْلِهِ ‏"‏ وَيُشَارِكُهُ ‏"‏ إذَا أَقَرَّ الِابْنُ الْمَعْرُوفُ بِأَخٍ لَهُ أَخَذَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ أَخَذَتْ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ وَهُوَ ابْنُ الْمَيِّتِ أَخَذَتْ سُدُسَ مَا فِي يَدِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِزَوْجَةٍ لِأَبِيهِ أَخَذَتْ ثُمُنَ مَا فِي يَدِهِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَيُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِامْرَأَةٍ هَذِهِ امْرَأَةُ أَبِي إنْ صَدَّقَهُ الْآخَرُ جَازَ وَيَكُونُ لَهَا الثُّمُنُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُنْكَسِرٌ عَلَيْهِمَا فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي ثَمَانِيَةٍ يَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ لِلْمَرْأَةِ سَهْمَانِ وَلَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الِابْنُ الْآخَرُ احْتَجْت إلَى قِسْمَتَيْنِ قِسْمَةٍ ظَاهِرَةٍ وَهُوَ أَنْ يُقْسَمَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَمَا حَصَلَ لِلْمُقِرِّ جُعِلَ عَلَى تِسْعَةٍ لِلْمَرْأَةِ اثْنَانِ وَلِلِابْنِ سَبْعَةٌ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ إلَّا أَنَّ الْمُنْكِرَ ظَالِمٌ حَيْثُ أَخَذَ النِّصْفَ تَامًّا فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَ الْمُقِرِّ، وَالْمَرْأَةِ عَلَى مَقَادِيرِ سِهَامِهِمَا يَعْنِي أَنَّ لِلْمَرْأَةِ سَهْمَيْنِ وَلَهُ سَبْعَةً فَلَمَّا صَارَ هَذَا النِّصْفُ عَلَى تِسْعَةٍ صَارَ الْكُلُّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ تِسْعَةٌ لِلْمُنْكِرِ وَسَهْمَانِ لِلْمَرْأَةِ وَسَبْعَةٌ لِلْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ

فَيَكُونُ فِي نَصِيبِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏